بسم الله الرحمن الرحيم




 

لكل ذي بصيرة  ..

مجتمعاتنا في خطر والخلافة واحة الأمن و صمام الأمان

 

 

إن من مظاهر ضعف الدولة في أي مجتمع من  المجتمعات و بلوغ الدولة عمر الكهولة و حد العجز عن القيام بواجباتها تجاه تلبية حقوق الرعية و رعاية شؤونهم؛ هو ما يظهر بداية من ربط غير صحيح بين فئات الناس على حساب الرابطة الصحيحة القائمة على أساس عقيدة الإسلام، والتي تغيب لتحل محلها مفاهيم مغلوطة و روابط عفنة  تؤدي إلى ظهور عصبيات متعددة المشارب على أساس غريزي، حيث يجد فيها دعاتها ملاذهم الآمن لتكون البديل الهابط عن الرابطة الصحيحة و البديل عن دور الدولة. و يتعاظم هذا الأمر أكثر كلما افتقد الكيان السياسي دوره في إعادة الناس إلى الرابطة الصحيحة.

 

و كلنا يذكر  ما حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث ورد في سيرة ابن هشام وغيرها عن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال: (مرَّ شاس بن قيس - وكان شيخاً (يهوديا) قد بقي على جاهليته، عظيمَ الكفر، شديدَ الضغن (الحقد) على المسلمين شديد الحسد لهم- على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من أُلفتهم، وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قَيْلَة - الأوس والخزرج - بهذه البلاد، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شاباً معه من يهود، فقال: إعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم ذكرهم يوم بُعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا قالوا فيه من الأشعار .. وكان يوم بُعَاث قبل الهجرة بثلاث سنين، يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا، وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين: أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج، فقال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها الآن جَذَعَة (حربا)، وغضب الفريقان، وقالوا: قد فعلنا، السلاحَ السلاحَ .. موعدكم الحَرَّة (مكان في المدينة)، فخرجوا إليها، وانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية.


فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال: (يا معشر المسلمين! الله، الله .. أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم، بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً ؟!)، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم لهم، فألقوا السلاح، وبكوا، وعانق بعضهم بعضاً .


نعم  .. إن غياب الدولة والرعاية  ينذر بكارثة اجتماعية و حالة من الفوضى لا يُعلم  أين يصل مداها ، فحينها تظهر العصبية القبلية وعصبية الأحلاف و الولاءات بين الناس في المجتمع لتظهر حالات التشظي واستغناء كل عصبية قبلية بما لديها و كل ولاء بما لديه لتسود أجواء القلق و التخندق خلف تلك العصبيات على اختلافها. فتكون هذه العصبيات أساسا للعلاقات بين الناس في المجتمع فتفرض عليهم  تلقائيا قوانين  القوة والسلاح وشريعة الغاب التي تجعل لكل عصبية الحق في الدفاع عن نفسها و ممارسة معيشتها ضمن ما يفرضه الواقع حينها، وما كان لذلك أن يحدث لو أن الدولة تقوم على رعاية الناس بحق و ترعى شؤونهم في كافة جوانب حياتهم.

 

إن الانتقال الى خيار العصبية بأنواعها في المجتمع الإنساني هو الانحطاط الفكري الى مستوى التفكير السطحي حيث تسود الروابط الفاسدة التي لا تصلح لربط الناس بدل رابطة العقيدة التي تعمد الدولة إلى إقصائها، وذلك عند شعورهم بقصور الدولة القائمة عن القيام بمهام رعايتهم و الظلم الذي تمارسه تجاههم و عجزها عن حفظ أمنهم و أمانهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

 

إن الفراغ السياسي الذي يخلفه أي نظام في جميع بلاد المسلمين في زماننا ما هو الا بسبب إقصاء حكم الله تعالى، و انتشار الظلم و المحاباة و انعدام العدل بين الرعية ، و تسلط شريعة الإستعمار و الطغيان التي سيطرت على كل مفاصل الدولة و جعلت المسلمين يعيشون حالة من الانفصام بين عقيدتهم  التي تقر بسيادة الشرع الإلهي و بين تشريعات الإستعمار المطبقة عليهم. إن ذلك كله مؤذن بخراب الدولة و اتساع حالة التشظي في المجتمع .. و لن يسد هذا الفراغ السياسي على أكمل وجه الا شريعة الإسلام التي نزلت من لدن حكيم خبير، و التي أنزلها الله تعالى لتحكم بين الناس في كافة جوانب حياتهم ، و لتحقق العدل و الإحسان بينهم و تنصف كل مظلوم و تأخذ الحق من الظالم و تحارب كل أشكال الفساد والاستبداد في كافة شؤون الحياة .

 

وهذا ما جسده الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه في تطبيقه للإسلام حينما قال في خطبته الأولى : (ألا إنَّ أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحقَّ له، وأضعفكم عندي القويُّ حتى آخذ الحقَّ منه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم) . وما قام به ابو بكر رضي الله عنه ومن جاء بعده من الخلفاء الراشدين إلا عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ ) .

 

و تطبيقا لأمر الله تعالى الذي أنزله في كتابه، حيث يقول الله تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }، الجاثية 18 ، { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا النساء 58.

 

أيها المسلمون : أنه لا أمن ولا أمان لكم في كل جوانب حياتكم إلا بإعادة الإسلام إلى واقع الحياة .. بإقامة دولة الخلافة الراشدة التي فيها عزكم و عدلكم و كرامتكم ودستور ربكم، وفيها خلاصكم من إستعمار دول الغرب الكافر و استبدادهم الذي لطالما فرق بين المسلمين أنفسهم بإحياء العصبيات والإقليميات و الوطنيات الزائفة، وما فتئ عن زرع الفتن بين المسلمين.

يقول الله تعالى :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}

 

 

كتبه للمكتب الاعلامي لحزب التحرير/ ولاية الاردن

الاستاذ معاذ عبد الله

 

 

     
22 من شـعبان 1439
الموافق  2018/05/08م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/