بسم الله الرحمن الرحيم




 

همسات

الحث على العمل ومكانته في الإسلام

 

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


فقد حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة هذه الجمعة ليوم الثامن عشر من شعبان لعام 1439 هجرية الموافق الرابع من أيار لعام 2018 ميلادية عن الحث على العمل ومكانته في الإسلام ولنا مع هذه الخطبة وقفات.


فقد ذكرت الكلمة الموحدة الاستخلاف في الأرض وبينت أن الإنسان خليفة الله في أرضه، يعمرها ويبنيها بالسعي في طلب الرزق والكد والاجتهاد في سبيل ذلك، ولكن فاتها ذكراً أن الاستخلاف في الأرض لا يكون وفق هوى الانسان وتشريعه  بل  بتطبيق شرع الله في أرضه وتحكيم كتاب الله في خلقه وبنشر دعوته  في الأرض،  فالإنسان لم يخلق سدى بلا أمر ونهي  .


و ذكرت الكلمة الموحدة أن الفرد المسلم  يجب أن يعتمد على ذاته في الكسب، وأن يسعى في طلب الرزق امتثالا لأمره عز وجل، وأشارت الكلمة الموحدة أن المجمتع المسلم  ينبغي أن يكون مجتمعاً منتجاً، وأن لا تكون الأمة الإسلامية عالة على أحد من الأمم وحملت الفرد المسلم مسؤولية تخلف أمة الإسلام عن نظيراتها من الأمم في الرفاه والغنى الاقتصادي والتقدم العلمي.


أما وقد ذكرتم ذلك فإن لنا أن نذكِّر أن الدولة يجب أن لا ترهن البلاد والعباد للبنك الدولي ووصفاته  وما تريده أمريكا رأس الكفر ومساعداتها فهذا حرام شرعا لقوله عز وجل : (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا)، وهذا يقتضي  أن لا يكون  للكفر وأهله سبيلا على المسلمين فترى الحكام  مطواعاً  بيد الغرب يأتمرون  بأمره فيرفعون  الأسعار ويجبون  الضرائب  و يتابعون  الناس في أقواتهم ورزق عيالهم، فمن الذي جعل الأمة المسلمة عالة على الأمم؟  المسلمون أم  النظام  الرأسمالي الذي يحكم به حكام المسلمون اليوم خدمة للغرب الكافر المستعمر؟


من الذي يتحمل مسؤولية ضياع ثروات المسلمين نهبا للكافر المستعمر؟ المسلمون أم الأنظمة في البلاد الإسلامية؟ ألا يجب على البلاد الإسلامية أن تعتمد على نفسها بتسخير الموارد في البلاد الإسلامية خدمة للمسلمين تطبيقا لشرع الله؟ ولا  يكون  بتسخير ثروات الأمة لخدمة ترامب زعيم دولة الكفر الولايات المتحدة الأمريكية.


ألا يجب على الدولة أن ترعى شؤوون الرعية وتطبق شرع الله فيهم وتوفر لهم ما يضمن لهم العيش الكريم بتوفير فرص العمل لمن لا يجده وتوفير المسكن الملائم والعلاج والتعليم؟  فها هو الرسول صلى الله عليه يتابع الرجل من الأنصار الذي جاء  يسأله بعدما وفر له عملا بأن يعمل حطاباً ويتابع أمره حتى يكتفي من عمله فالدولة في الإسلام دولة رعاية وليست دولة جباية.


ذكر الإمام ابن حزم في "المحلى" أن على الدولة أن توفر للعامل الغذاء الكافي، والكساء الكافي، والمسكن الذي يليق بمثله، وأن تستوفي فيه كل المرافق الشرعية، ويجب أن تكون الأجرة محققة لكل هذا؛ وإلا كان ظلماً.


إن الدولة في الإسلام تعني رعاية شؤون الناس أفراداً وجماعةً، وهي مسؤولة عن توفير الحاجات الاساسية لكل الرعية  فردا فرداً، كما أنها هي المسؤولة عن توفير الاعمال  لكسب الافراد الذين يطرقون أبواب العمل رغم كفاءتهم فلا يجدون،  فها هي البطالة الاجمالية في الاردن كما أعلنت دائرة الاحصاءات العامة قبل يومين، قد بلغت 18.3%، وبلغت بين الاردنيين في الفئة العمرية  (15-24 ) سنة 37.3%، وهي نسبة كبيرة جداً ضمن هذه الفئة الشبابية التي يعتمد عليها في إعالة الاسر والكسب لبناء المجتمع، أليست الدولة هي المسؤولة عن هذه البطالة وتوفير فرص العمل الناتجة عن تطبيق السياسة الاقتصادية الرأسمالية، وإقصاء الاسلام عن الحياة حكماً ومنهج حياة لكل أنظمة المجتمع؟ ألم يكن الاجدر بكلمة الأوقاف الموحدة أن تحاسب الحكومة على سياسة الحكم بغير ما أنزل الله وعن تقصيرها في توفير فرص العمل لهؤلاء الشباب، قبل أن تلقي عليهم المواعظ  حول أهمية العمل؟  لقد كان مفهوم الرعاية في الدولة الاسلامية مفهوماً يطبق عملياً عندما كان الخلفاء يتتبعون شؤون الناس والسهر على تحقيق حاجاتهم الاساسية ، وإلا فما معنى قول عمر رضي الله عنه " "ويلك يا عمر، لو أن بغلة تعثرت في العراق لسُئل عنها عمر لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق؟". فجاءنا حكام لا يعرفون إلا رعاية شؤون أنفسهم، والمحافظة على مصالح ساداتهم الكفار المستعمرين، والتسلط على الناس وإذلالهم وأكل حقوقهم، فأوجدوا جواً مفعماً بالظلم والجهل والفقر، فغاب عن الناس مفهوم الرعوية، فغدوا يرون البلاد والعباد ملكاً لهؤلاء الحكام يتصرفون فيه تصرف المالك بملكه.


عن أنس بن مالك { أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله ، فقال له : ما في بيتك شيء؟  قال : بلى ، حلس يلبس بعضه ، ويبسط بعضه ، وقعب يشرب فيه الماء ، قال : آتني بهما ، فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : من يشتري هذين ؟ فقال رجل : أنا آخذهما بدرهم ، قال : من يزيد على درهم ؟ مرتين أو ثلاثا ، فقال رجل : أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما إياه ، وأخذ الدرهمين ، فأعطاهما الأنصاري ، وقال : اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر قدوما ، فأتني به ، فأتاه به ، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ، ثم قال له : اذهب فاحتطب ، وبع ، ولا أرينك خمسة عشر يوما ، فذهب الرجل يحتطب ويبيع ، فجاء ، وقد أصاب عشرة دراهم ، فاشتري ببعضها ثوبا ، وببعضها طعاما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة ، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة ، لذي فقر مدقع ، أو لذي غرم مفظع ، أو لذي دم موجع )  فالراعي لا يترك رعيته عطلاً  بل يسهر على راحتهم،  ويرعى شؤونهم حتى بعد توفير فرص العمل لهم لا كما يفعل حكام الضرار فلا رعاية لرعيتهم بل ظلما جورا ونهبا وتسلطا.


وها هو الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله يؤكد للرعية في خطبته الأولى على واجبات الخليفة و الدولة ،و مما ورد في خطبته :

( أيها الناس!  إن لكم عليَّ خصالاً أذكرها لكم، فخذوني بها، لكم عليَّ أن لا أجتبي شيئاً من خراجكم وما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم عليَّ إن وقع في يدي أن لا يخرج إلا بحقه، ولكم عليَّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله تعالى، ولكم عليَّ ألا ألقيكم في التهلكة، ولكم عليَّ أن أسد ثغوركم إن شاء الله تعالى، ولكم عليَّ إن غبتم في البعوث -أي: المعارك- فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم، فاتقوا الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضار النصيحة فيما ولاني الله من أموركم).


وقول الإمام الشافعي رحمه الله في مثل هذه الرعاية :

" ينبغي للإمام أن يُحْصِي جميع مَن في البلدان مِن المُقَاتِلة ، وهم مَن قد احتلم أو استكمل خمس عشرة سَنة مِن الرجال ، ويُحْصِي الذّرية ، وهي من دون المُحْتَلِم ودون البالغ ، والنساء صغيرتهن وكبيرتهن ، ويعرف قَدر نفقاتهم وما يحتاجون إليه في مُؤناتهم بِقَدْر مَعَايش مثلهم في بلدانهم ، ثم يُعْطِي المُقَاتِلة في كل عام عطاءهم . والعطاء الواجب مِن الفيء لا يكون إلاّ لبالغ يُطِيق مثله الجهاد ، ثم يُعْطِي الذرية والنساء ما يكفيهم لِسَنَتِهم في كُسوتهم ونَفَقتهم "


أيها الناس قد تعالى في كتابه العزيز : (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)

فوالله ما من عمل أجلّ من العمل لتطبيق شرع الله في الأرض،  وما من عمل أشرف من أن يُعمل لاستئناف الحياة الإسلامية في البلاد الإسلامية، فقد عمل الأنبياء والرسل لتطبيق شرع الله في أقوامهم إلى جانب عملهم في طلب شؤون دنياهم والسعي في تحصيل الرزق، أليس الله تعالى الذي أمر بالسعي في طلب الرزق هو من أوجب على المسلمين العمل على تحكيم شرعه في الأرض والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ألم يقل سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)، ان الأنظمة في بلاد المسلمين تعلن  الحرب  على الله ورسوله وحملة دعوته و محاربة العاملين لتطبيق شرع الله في الأرض بالحبس والحجز في الدوائر الامنية والإقامات الجبرية والتضييق في الرزق، ولكن أنّى لهم أن يعملوا غير ذلك وهم أدوات بيد الغرب الكافر المستعمر،  بدل أن يقوموا  برعاية المسلمين وتوفير سبل العيش الكريم لهم بل يحارب من يعمل لنهضتهم وعزتهم  في الدارين.


إن الأمة الإسلامية لها موعد مع النصر و العزّ والتميكن في الأرض بتطبيق شرع  الله والحكم بكتابه وسنة  نبيه علية الصلاة والسلام.

 

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

 

المكتب الاعلامي لحزب التحرير/ ولاية الاردن

 

     
17 من شـعبان 1439
الموافق  2018/05/03م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/