بسم الله الرحمن الرحيم




 

تعليق صحفي

 

ذكرى الهجرة النبوية، هي دعوة جدية للعمل على إقامة دولة الخلافة

الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وليست دعوة للاحتفالات

 

 

لقد كانت هجرة النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين منعطفًا تاريخيًا حاسمًا بل كانت حادثة مهمة غيرت مجرى التاريخ، مما جعل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عندما أراد أن يحدد بداية لتاريخ الدولة الإسلامية، أن يؤرخ بتاريخ الهجرة النبوية لما لها من أهمية، ولما فيها من الدروس والعبر، فهذه الذكرى بعيدة كل البعد عن أن تكون مجرد مراسم واحتفالات في أيام محددة، ومناسبة يستغلها النظام في تضليل المسلمين عن الدعوة الجدية التي تحملها ذكرى الهجرة النبوية وهي العمل على إعادة دولة الخلافة من جديد، بإعلانه تعطيل الدوام الرسمي وإقامة الاحتفالات، إبعادًا للمسلمين عن التأسي بأعظم شأن حدث لهم في تاريخهم، وهو إقامة الدولة الإسلامية الأولى التي كتبت أعظم الصفحات في تاريخ الحكم والتاريخ الإنساني وعزة ومجد الأمة الإسلامية مباهية به كل الأمم.


فأي تضليل هذا الذي يمارسه النظام إذ يحتفل بذكرى الهجرة النبوية، وهو يزج في السجون بمن عرف معنى الهجرة، ويعمل لمثل ما عمل له صاحب الهجرة صلى الله عليه وسلم (خلافة على منهاج النبوة)؟؟!!


إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر الصحابة بالهجرة إلى المدينة،  بعد أن حصل الرسول صلى الله عليه وسلم على نصرة أهل المدينة، أي بعد بيعة العقبة الثانية، فكانت في واقعها بيعة على الحكم، أي أصبحت المدينة دار إسلام حكمًا؛ لأن القوة كانت متحققة فيها للإسلام والمسلمين، وتنتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم لتصبح دار إسلام فعلاً تقام فيها الأحكام. فقد هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفيذًا لأمر الله عز وجل، ولم يهاجر صلى الله عليه وسلم خوفًا من أذى قريش أو فرارًا بدينه كما تذكر المناهج المدرسية، فالله سبحانه وتعالى قد عصمه من الناس، ولقد هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقيم دولة الإسلام، هاجر ليقيم حكم الله في الأرض، هاجر لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، فكانت هجرته نتاج استجابة أهل القوة والمنعة في المدينة المنورة وامتثالا لأمر الله تعالى لإقامة الدولة، فهجرته صلى الله عليه وسلم دعوة للحفاظ على الذي هاجر من أجله وإليه، فهي تكليف لنا بإيجاد الدولة والحفاظ عليها.


فأي معنى للهجرة وقد تشتت المسلمون إلى ما يقارب ستين دولة، وتلاشت رابطة الإسلام التي تربطهم؛ لتحل محلها روابط وطنية قومية، فاسدة منتنة مفرقة، نبذها الإسلام؟؟!!


أي معنى للهجرة وأرواح المسلمين وأعراضهم وأموالهم وبلادهم مستباحة من قبل أعداء المسلمين من صليبيين وعلمانيين ويهود وهندوس وبوذيين، بل ومن قبل حكامهم الذين نصبهم الكافر المستعمر حراسًا لحدود دولهم القطرية، يمنعون المسلمين من نصرة بعضهم بعضًا، ويحولون دون وحدتهم، بل حكام دأبهم الكيد والتربص، ومحاصرة ومقاطعة بعضهم ويزرعون الشحناء والبغضاء بين المسلمين؟؟!!


أي معنى للهجرة وأحكام الإسلام معطلة، والخمور تباع في الأسواق، ومهرجانات العهر والاختلاط تفشت بين الناس، وأفرغت المناهج من كل ما يمت بصلة للعقيدة الإسلامية وتاريخ الدولة الإسلامية المشرف، لتنشئة أجيال لا تعرف دينها ولا تاريخها، فتقاعست عن نصرة إخوانهم وقضايا أمتهم، بينما جسدت الهجرة أروع مثل للمؤاخاة بين المسلمين، أنصارًا ومهاجرين؟؟!!


أي معنى للهجرة وقد افتقد المسلمون الأمن والأمان، والصحة والاستقرار، وأصبحوا في خوف دائم على أبسط الحقوق التي كفلتها الدولة الإسلامية لهم من مأكل وملبس ومأوى وصحة وتعليم وأمن، وهم يلهثون وراء رغيف الخبز، ويكتوون بنار الضرائب؟؟!!


أي معنى للهجرة وقد نهبت خيرات الأمة من الحكام الظلمة الذين عاثوا في الأرض الفساد، هم وبطانتهم، وسخروا ثروات الأمة لأعدائها مقابل تثبيتهم في كراسي الحكم؟؟!!


أي معنى للهجرة وقد فَجَرَ علماء السلاطين، وسقطت هيبتهم ومكانتهم بتزلفهم للحكام الظلمة أمام وعي الأمة ونضجها، ومحاولة استعادة مكانتها، وشاركوا بل زينوا فساد الحكام وأقروهم على زندقتهم وخذلانهم لشعوبهم ووقفوا معهم في صف واحد ضد الأمة، حتى بلغ بهم الحال بمدح زعماء الكفر إرضاءً لأولياء نعمتهم من الحكام؟؟!!


وأي معنى للهجرة وأهل القوة والمنعة وجيوش المسلمين تزمجر في ثكناتها دون أدنى تحرك تلبية ونصرة لصيحات استغاثة النساء والأطفال والشيوخ في فلسطين والشام واليمن وكشمير وميانمار والصومال وغيرهم، وعن نصرة من تصدر للعمل وواصل الليل بالنهار من حملة الدعوة، من أجل إقامة الخلافة مرة أخرى بعد أن ألغاها عدو الله مصطفى كمال عام 1924 وأصاب الأمة بفاجعة عظيمة وكارثة كبيرة بعد أن أرسى قواعدها ودستورها وأسس كيانها الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أجلها كانت الهجرة النبوية الشريفة؟؟!!


وأي معنى للهجرة النبوية والأمة الإسلامية يزيد تعدادها عن المليار ونصف، وحباها الله بأثمن ما يمكن أن تناله الأمة وهي العقيدة الإسلامية والنظام الرباني الذي يملا القلب طمأنينة والعقل رضا وقناعة، والحياة أمن واستقرار وأمان، علاوة على الثروات الهائلة، فأي معنى للهجرة النبوية، والأمة لا تأخذ على يد الظلمة من الحكام وعلماء الظلام وتأويل الدين، ولا تستنكر غياب الشرع عن حياتها، ولا تستولد أنصارًا كأنصار المدينة الذين نصروا الرسول وحموا دولته، ومكنوا المسلمين من الاستخلاف في الأرض فاستحقوا رضا الله، وسجلوا أنفسهم في صفحات التاريخ الإسلامي المشرف؟؟!!


ففي ذكرى الهجرة وحتى يكون لها معنى في نفوسنا، علينا أن نجعل الإسلام محور تفكيرنا واهتمامنا، علينا أن نسعى لنجعل معنى الهجرة مرحلة من مراحل الدعوة إلى الله، أي أن نعلم أن إقامة دولة الإسلام فرض في عنق كل مسلم، مصداقاً لقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية»، وإذا ما أردنا أن يكون للهجرة النبوية معنى، لنعلم أن إقامة الدولة الإسلامية هي من ضمن الممكنات وليست حلمًا وليست مستحيلًا مهما واجهنا من صعوبات ومهما وقفت أمامنا من عقبات، وأن إقامة الدولة لا تتنزل من السماء، ولن تقوم بالتمني والرجاء، بل لا بد من العمل الجاد،، ولا بد من التضحية بالغالي والنفيس لتحقيق ذلك.


علينا أن نصبح ونمسي على قضية الإسلام المصيرية وهي حمل المبدأ الإسلامي حملاً عملياً وإقامة الدولة الإسلامية مرة أخرى، ككيان تنفيذي سياسي استراتيجي كما أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عنهم، فانطلقت تحمل شعلة العدل والرحمة بين العالمين مزيلة بالجهاد والدعوة كل المعوقات المادية أمام تبليغ رسالة الإسلام للبشرية، فتبوأت مركز الدولة الأولى في العالم بعد بضعة عقود من الزمن.


هذا المفهوم للهجرة هو الذي يجب أن يسود في الأمة وهي تحيي هذه الذكرى العظيمة؛ لتكون حافزًا لها لإعادة بناء الصرح الذي بناه المهاجرون جنبًا إلى جنب مع إخوانهم الأنصار، فعزوا جميعًا وسادوا وملئوا الأرض نورًا وعدلًا، استنصر بهم الضعفاء فلبوا، واعتدى عليهم الباغون فأُدبوا، دانت لهم الدنيا فبنوا وعمروا، جربوا فاخترعوا وطوروا وصنعوا، بحثوا ونقبوا فاكتشفوا وقدموا للإنسانية ما لم تحلم به من الأفكار والعلوم والمعارف، وإن عودة دولة الإسلام، الخلافة الراشدة، لتؤذن بعودة ذلك المجد التليد والعز الأكيد للمسلمين وعودة الطمأنينة والأمان للإنسانية جمعاء. (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). (النور 55)

 

 

الدكتور أحمد حسونة

نائب رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية الأردن

     
01 من محرم 1439
الموافق  2017/09/21م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/