بسم الله الرحمن الرحيم




خرافـة اﻹعـلام الحـر

 

لم يشهد التاريخ إعلامًا حرًا ولن يشهد إطلاقًا، وذلك يرجع إلى طبيعة اﻹعلام والغاية منه. أما بالنسبة للغاية من اﻹعلام فلا يوجد على وجه اﻷرض إعلام عبثي بلا غاية وﻻ أهداف، إذن سيكون اﻹعلام خادما ﻷهداف أصحابه سواء أكانت هذه الغايات خدمة لمبادئ وقيم ومثل عليا في المجتمع، أو خدمة لسياسات الدول القائمة، أو خدمة لمكاسب مادية بحتة كاﻹعلام التجاري، وفي كل الحالات يكون اﻹعلام محكوما بمعايير جهة معينه. وأما بالنسبة إلى طبيعة اﻹعلام فهو ليس مجرد نقل لأخبار الحوادث وتحركات الساسة وغيرهم، وإنما يقوم اﻹعلام على ثلاثة ركائز:


• الركيزة اﻷولى:- متعلقة بالخبر وبكل المعلومات عن هذا الخبر والتثبت من صحة الخبر وصحة المعلومات المتعلقة به.

• الركيزة الثانية:- فهم وتفسير الخبر بناء على المعلومات المتعلقة به, والصياغة اللفظية التي صيغ بها الخبر, والجهة الصادر عنها الخبر, ووجهة نظرها في الحياة، ووجهة النظر التي يحملها من يريد تفسير الخبر والظروف السياسية القائمة.

• الركيزة الثالثة:- كيفية التعاطي مع اﻷخبار وتحديد الموقف منها، حسب اﻷهداف المرجو الوصول إليها.


إن من طبيعة الشعوب حب الفضول, وتتبع الأخبار, ونقلها فانتشار اﻷخبار ﻻ يحتاج إلى كبير عناء لنقلها، وقديما قالوا: ستبدي لك اﻷيام ما كنت جاهلا .... ويأتيك باﻷخبار من لم تزود.


إﻻ أن المعنيين باﻹعلام تكون لهم دواعيهم لنقل اﻷخبار وصياغتها, وربطها بأهداف يريدون تحقيقها. ولقد تم إدراك قيمة اﻹعلام وأثره في المجتمعات منذ القدم، ولقد كان العرب في طليعة اﻷمم التي قدرت اﻹعلام ورفعت منزلته، وأنزلت رجالاته المنزلة الرفيعة في القبيلة، من خطباء وشعراء ومتكلمين فصحاء، فلم يعرف عن أمة جعلت أسواقًا ومواسم للخطابة والشعر يتسابق الشعراء فيها لإعلاء شأن القبيلة كالعرب، فقد كانت تحفظ أشعارهم في الصدور ويتغنون بها في مناسباتهم وتفخر بها القبيلة على غيرها وتكتبها بالذهب وتعلقها في جوف الكعبة. وبنظرة سريعة في السيرة النبوية المطهرة والنصوص الشرعية نجد أن اﻹسلام اعتنى عناية فائقة باﻹعلام وكيفية التعاطي مع الخبر وهذه نماذج تدلل على ذلك:


• النموذج اﻷول:- عندما أراد الصحابة قتل ابن سلول ﻹيذائه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال {ﻹن رجعنا إلى المدينة ليخرجن اﻷعز منها اﻷذل} منعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك حتى ﻻ يستغل الحدث إعلاميا لتشويه صورة اﻹسلام ويشيطنوا دولة اﻹسلام فقال: «دعوه حتى ﻻ تقول العرب محمد يقتل أصحابه». فالأعداء لن ينقلوا الخبر كما هو بأنه قتل منافقًا، طعن في رسول الله وحرض على هدم الدولة وطرد المهاجرين منها, بل سيقولون: "محمد يقتل أصحابه" وكيف يتقبل الناس دعوة رجل ﻻ يأمن صاحبه شره وغدره؟


• النموذج الثاني:- في غزوة الخندق بلغ رسول الله خبر غدر يهود فأرسل إليهم السعدين ليتثبت من الخبر وأوصاهما، إن وجدا الخبر كاذبًا والقوم على عهدهم بأن يشيعوا في الناس ليكذب الشائعة، وإن وجدا أنهم غدروا، بأن الحنوا لي لحنا أفهمه، حتى يحصن المسلمين من أخطار الشائعة.

 

• النموذج الثالث:- عندما عزم رسول الله على المسير إلى الحديبية أرسل في القبائل المحيطة بالمدينة معلنًا عن مسيره وغايته من ذلك داعيًا الناس للمسير معه، فهيأ الرأي العام إعلاميًا للعمل مسبقًا، ونجح في ذلك وكانت الحديبية فتحًا من الله.


وهذه النماذج وغيرها توضح أهمية اﻹعلام وكيفية التعاطي مع الخبر، وأنه لم يكن حرًا بمفهوم اليوم بل خادمًا لسياسة الدولة والمجتمع ولدعوة اﻹسلام. ومع تطور المجتمعات وتطور وسائل اﻹتصالات الحديثة واشتداد الحاجة للإعلام في خدمة غايات الدول والمؤسسات والشركات حتى غدا اﻹعلام ليس السلطة الرابعة فحسب, بل السلطة اﻷولى لما له من قدرة على الدعاية, وتزيين اﻷمور وتسويق السلع واﻷفكار والخطط السياسية, وقدرة على قلب الحقائق، فقد أصبح نجاح اﻷعمال مستحيلاً بإهمال اﻹعلام سواء في مجال الخير أو الشر. ونظرا لشدة حاجة اﻹعلام للإنفاق الضخم أصبح اﻹعلام أشد حاجة للارتباط بجهات معينة ممولة وراعية له، وهذه الجهات: إما أن تكون جهة صاحبة مبدأ تريد حمل المبدأ وﻻ تلتفت إلى اﻹنفاق من حيث الربح المادي أو الخسارة. وإما أن تكون جهة صاحبة أغراض سياسية أو تجارية نفعية، فتنفق عليها. وفي كل الأحوال يكون اﻹعلام خاضعًا لها كاﻹعلام الرسمي الموجة والتجاري، فيفقد اﻹعلام حياديته، وحريته.


ملاحظة أخرى في غاية اﻷهمية، أﻻ وهي أن اﻹعلام العالمي ﻻ يجري إطلاقه من كوكب آخر ﻻ تملك الدول القائمة سلطانا عليه، بل هو في فضاء هذه الدول وتحت سلطانها وسيكون محكومًا بتوجهاتها مع تفاوت في هامش الحركة المسموح بها للإعلام، ومع اختراق كبير للأجهزة الاستخباراتية للإعلام.


ونستطيع أن نقطع بأنه ﻻ يوجد ولن يوجد على وجه اﻷرض ﻻ اﻵن وﻻ في المستقبل إعلام حر، فاﻹعلام الحر خرافة وخيال. أمثلة على خرافة اﻹعلام الحر اﻹعلام المحايد:


1. جرائم "إسرائيل" والتعامل معها في كل مذابحها من دير ياسين إلى غزة فلا هي إرهاب وﻻ هي مدانة، وتحتاج إلى لجان تحقيق، مع العكس تمامًا في حق المسلمين فهم مدانون قبل أي تحقيق.

2. شتم الرسول والطعن في دين الله, والصور واﻷفلام والمسرحيات التي تسيء للإسلام هي حرية فكر وحرية إعلام، والتشكيك في محرقة يهود جريمة ومعاداة للسامية.

3. قتل المسلمين وحرقهم أحياء على أيدي مليشيات إيران في العراق وعلى أيدي بشار ومليشيات إيران وعلى يد الحوثي في اليمن ليست إرهابا وﻻ تغطى إعلاميًا خدمة للسيد اﻷمريكي.

4. مجازر المسلمين ومحارقهم في مينمار وإفريقيا الوسطى برعاية فرنسية وأمريكية ﻻ يلتفت إليها اﻹعلام, وعملية واحدة ﻻ تساوي شيئًا في جرائم الدول اﻹستعمارية تقوم لها الدنيا وﻻ تقعد.

5. مقتل الذي شتم دين الله وأهان المسلمين، يحشد له إعلاميًا ودوليًا، ومقتل مسلمين عزل لم يسيؤوا ﻷحد بل كانوا نشطاء في العمل الخيري, وقتلوا داخل بيتهم على يد أمريكي, ومقتل قاضي على يد جندي يهودي يمر كحادث سير وفاعله معذور ﻷنه مريض أو جرى استفزازه.

6. إن القائمة طويلة ومن ﻻ يرى الشمس في رابعة النهار ليس أعمى البصيرة والبصر فحسب, بل مجرم شريك في جريمة.
فاﻹعلام في زمن سيادة الرأسمالية أعور يكيل بمكاييل متعددة, وليس فيها من اﻹنسانية شيء.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير- ولاية الأردن
الأستاذ: سعيد رضوان "أبو عماد"

 

     
03 من جمادى الأولى 1436
الموافق  2015/02/21م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/