بسم الله الرحمن الرحيم




همسات
أشدُّ الناس حاجةً للعفة والنزاهة هم الحكام
وأفقر الناس إليهما في يومنا هم الحكام

 

قررت وزارة الأوقاف في الأردن أن تكون خطبة الجمعة الموحدة لتاريخ 5/7/2019م بعنوان (العفة والنزاهة من صفات المتقين) ، وسيكون لنا وقفات مع هذه الخطبة.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ثم أما بعد:


لقد عُرِّفَ الإِسْلامُ بأَنَّهُ الدِينُ الَّذِي أَنزَلَهُ اللهُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وعَلَى آلهِ وسَلَّمَ، لتَنْظِيمِ عَلاقَةِ الإِنْسَانِ بخَالِقِهِ، وبنفْسِهِ، وبغَيْرِه مِن بني الإِنْسَانِ. وعَلاقَةُ الإِنْسَانِ بخَالِقِهِ تَشْمُلُ العقائدَ والعباداتِ، وعَلاقَةُ الإِنْسَانِ بنفسِهِ تَشْمُلُ الأَخْلاقَ والمطعوماتِ والملبوساتِ، وعَلاقَتُهُ بغَيْرِهِ مِن بني الإِنْسَانِ تَشْمُلُ المعاملاتِ والعقوباتِ.
والأَخْلاقُ جزءٌ مِن هَذِهِ الشَّريعةِ، وقسمٌ مِن أَوَامِرِ اللهِ ونَوَاهِيهِ، لا بُدَّ مِنْ تَحقيقِها في نفسِ المُسْلِمِ ليتِمَّ عَمَلُهُ بالإِسْلامِ، ويَكْمُلَ قِيَامُهُ بأَوَامِرِ اللهِ.
وقد بَيَّنَ الشَّرْعُ الصفاتِ الَّتِي يُعتَبَرُ الاتِّصافُ بِهَا خُلُقاً حسناً والَّتِي يعتَبَرُ الاتِّصافُ بِهَا خُلُقاً سَيِّئاً، فحثَّ عَلَى الحَسَنِ مِنْهَا ونهى عَنِ السيِّئ: حث عَلَى الصدقِ، والأَمَانةِ، وطلاقَةِ الوجهِ، والحياءِ، وبِرِّ الوالدَين، وصِلَةِ الرَّحِمِ، وتفـريـجِ الكُـرُبَـاتِ، واعتَبَرَ كلَّ ذَلِكَ ومثلَهُ حَثَّاً عَلَى اتِّبَاعِ أَوَامِرِ اللهِ. ونهى عَن أضدادِها كالكَذِبِ والخيانةِ والحَسَدِ والفُجُورِ وأمثالِها، واعتَبَرَ ذَلِكَ ومثلَهُ نهياً عمَّا نهَى اللهُ عنْهُ.
وكان مما حث عليه الإسلام (العِفَّةُ والنَّزاهة) وتعنيان: الكف عن المحرمات والابتعاد عن كل سيءٍ وقبيحٍ من الأقوال والأفعال.
قال الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفّه الله» متفق عليه. قال القاري في "مرقاة المفاتيح" (4/ 131) : " ( وَمَنْ يَسْتَعفف ) " أَيْ: مَنْ يَطْلُبْ مِنْ نَفْسِهِ الْعِفَّةَ عَنِ السُّؤَالِ ، قَالَ الطِّيبِيُّ : أَوْ يَطْلُبِ الْعِفَّةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ( يُعِفَّهُ اللَّهُ ) أَيْ يَجْعَلْهُ عَفِيفًا ، مِنَ الْإِعْفَافِ ، وَهُوَ إِعْطَاءُ الْعِفَّةِ ، وَهِيَ الْحِفْظُ عَنِ الْمَنَاهِي") .


أيها المسلمون ...
إن المسؤولية في العفِّ عن المحرمات تقع على جميع الناس، إلا أنها تتركز على الحكام وتقع على عاتقهم بشكل أكبر مما هي واقعةٌ على غيرهم، وهذا ما أكَّده صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقوالهم وأفعالهم، فقد روى البيهقي في السنن الكبرى(١٣٠٣٣) : عن ابن أبي نجيح قال: (لما أُتِي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يُقلبه بعود في يده ويقول: والله إنَّ الذي أدَّى إلينا هذا لَأمين. فقال رجل: يا أمير المؤمنين أنتَ أمينُ الله يؤدُّون إليك ما أدَّيتَ إلى الله فإذا رَتَعْتَ رَتَعُوا. قالَ: صَدَقْتَ)
وفي رواية: فقال له علي بن أبي طالب: (يا أمير المؤمنين عَفَفْتَ فَعَفُّوا ولو رَتَعْتَ لَرَتَعُوا).
ويبين أبو بكر رضى الله عنه أسباب صلاح الأمة وفسادها، فيُجيب على المرأة الأحمسية التي حجت مصمتة، وسألته قائلة: (مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الصَّالِحِ الَّذِي جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الْجَاهِلِيَّةِ ؟ قَالَ : بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ) رواه البخاري، ويُعلق الحافظ ابن حجر على هذا الحديث ، فيقول: ( لأن الناس على دين ملوكهم ، فمن حاد من الأئمة عن الحال مال وأمال)، ويؤكد ابن تيمية ذلك فيقول : (معلوم أنه إذا استقام ولاة الامور الذين يحكمون في النفوس والأموال، استقام عامة الناس، كما قال ابوبكر) السياسة الشرعية ص217 .


أيها المسلمون ...
إن حكام اليوم قد عاثوا في بلاد المسلمين، فنهبوا أموالها ولم يعفوا أنفسهم عنها، وخانوا اللهَ ورسولَه والمؤمنين بتواطئهم مع الكفار على المسلمين ولم يُنزّهوا أنفسهم عن هذه الأفعال القبيحة وهذه الصفات الذميمة، فهم أولى الناس بأن يُوجَّه لهم الخطاب بأمرهم بالعفة والنزاهة، ومن واجب الأمة أن تحاسبهم على تقصيرهم في رعاية شؤونهم وأن تقف سداً منيعا تجاه ما يُحاك ضدها بتبديد ثرواتها وجعلها رهينة للكافر المستعمر، فتنجوا الأمة وتنجوا البلاد من ربقة الاستعمار الاقتصادي والسياسي وتعود أمة تمتلك قرارها وتنشر العدل والرحمة للبشرية جمعاء .


أيها المسلمون ...
بعد أن سقط مجدُ المسلمين وأصبحنا نعيشُ في انحطاطٍ لم يمر على هذه الأمّة، فقد أصبح أجلّ وأعظم عملٍ يتقربُ به المسلمُ إلى خالقهِ بعد الإيمان به سبحانه وتعالى هو العمل لإعادةِ مجد الإسلام والمسلمين، باستئناف الحياة الإسلاميّة وتحكيمِ شرع الله في الأرض، لذلك كان حملُ الدعوةِ لإعادةِ مجد الإسلام والمسلمين هو شغل الأتقياءِ الأنقياء، وهو من أهم الأعمال التي يُوصَفُ من يقوم بها بالتقوى، فهلمّوا إلى هذا العمل، وشمّروا عن سواعدكم واعملوا مع العاملين، لتفوزوا بخيري الدنيا والآخرة، وتُحققوا وعد الله القائل: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) .


حينها ستنتشر أخلاق العفة والنزاهة والصدق والحياء في المجتمع، وستسمو نفوس الناس وتترفع عن قبائح الأمور وسيئها، وكل ذلك امتثالاً لأمر الله تعالى، وطمعاً برضوانه وخوفاً من عقابه.. فوجود المشاعر والأفكار والأنظمة الإسلامية يجعل الناس يتحلون بالأخلاق ويتصفون بالعفة والنزاهة طبيعيا بتطبيق الإسلام وانفاذ احكامه في كل العلاقات بين الناس وجميع مناحي الحياة. .
{لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}

 


والحمد لله رب العالمين .


     
02 من ذي القعدة 1440
الموافق  2019/07/04م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/