بسم الله الرحمن الرحيم




همسات

رمضان شهر الجهاد والعمل لإعلاء كلمة الحق

ونصرة دينه وإقامة دولته وتحكيم شرعه

 

وضعت وزارة الأوقاف خطبة الجمعة الموحدة تاريخ 24/5/ 2019 تحت عنوان : ( رمضان شهر البطولات والانتصارات) ولنا معها وقفات:

 

إن عبادة الصوم في شهر رمضان عبادة من العبادات التي تظهر وحدة المسلمين، واجتماع كلمتهم، فالمسلمون جميعا يصومون ويفطرون في وقت واحد، وهذا مما يميز هذه الأمة عن غيرها من الأمم، فالمسلمون أمة من دون الناس قال تعالى: ( إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)) الأنبياء.

فوحدة الأمة مطلوبة شرعا ففيها قوة المسلمين وبها تحمى البلاد والعباد ومن خلالها تسيّر الجيوش لتحمي الأعراض والمقدسات، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ ) وتكون وحدة الأمة طبيعياً عندما تطبق أحكام الشرع، وعندما يكون لها حاكم واحد تبايعه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

لقد سطر تاريخ المسلمين أروع أمثلة في البطولات والانتصارات عبر تاريخ الدولة الإسلامية وخاصة في شهر الصوم والصبر شهر رمضان المبارك، بل إن المعارك التي خاضها المسلمون في شهر رمضان كانت معارك فاصلة بين الحق والباطل، ففي شهر الصوم اجتمع على المجاهدين الصبر على الصيام ومشقته ومشقة الخروج في سبيل الله لإعلاء راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله".

 

ففي شهر رمضان المبارك في السنة الثانية للهجرة وفي اليوم السابع عشر كانت غزوة بدر الكبرى وكان يوم الفرقان. لقد جاءت غزوة بدر الكبرى تتويجا لخمسة عشر سنة من الدعوة فلا ريب أنها كانت الفرقان، فرقانا بين عقائد البشر الباطلة الزائفة المنحرفة عن منهج الله العظيم، وبدءا لمعركة التحرير، معركة تحرير البشر من تشريعات البشر إلى منظومة إلهية تشريعية متكاملة الجوانب ترعى شؤون الإنسان بوصفه إنسانا، وإيذانا ببدء نشر المبدأ الإسلامي عقيدة تعتنقها الجماعات والأفراد والدول في فتوحات تخرج العباد من سلطان العباد إلى سلطان رب العباد، من التيه و الضلال في تشريعات البشر الظالمة إلى أنوار العدل والهداية في تشريع رب البشر ومنظم علاقاتهم…

ولقد وصف الله نتيجة بدر بالنصر للمؤمنين ، قال تعالى: ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )، ففي بدر كسرت شوكة الكفار وقتل كثيرا من رؤوس الكفر، ومرغ الطغيان والاستبداد في التراب، وجعل الله كلمة الذين كفروا هي السفلى، ولم تعد قريش القوة التي لا تقهر، بل وكانت بداية النهاية لهيبتها في الجزيرة العربية أمام القبائل الأخرى، فأي نصر هذا الذي كان فيه بداية التمكين والاستخلاف.

 

إن غزوة بدر الكبرى جاءت إيذانا بمرحلة استمرت بعد ذلك أربعة عشر قرنا، مرحلة إزالة العقبات المادية التي تقف في وجه مبدأ الإسلام وتشريعاته من أن يصل لكل إنسان مخاطبا عقله لإخراجه من دياجير الظلام إلى عدالة الإسلام، جاءت غزوة بدر لنشر هذا المبدأ العظيم بعد سنتين فقط من البدء بتطبيق هذا المبدأ العظيم في دولة الإسلام الفتية.

 

ثم كان فتح مكة في الثالث والعشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة وتوج عمل المسلمين للدعوة للاسلام بعد فتح مكة بإخضاع الجزيرة العربية كلها لحكم الإسلام والتمهيد لنشر الإسلام في الشام والعراق وكل العالم وكان ذلك مصداقا لقوله تعالى: (إ ِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا).

 

ومن المعارك الفاصلة أيضا في تاريخ المسلمين معركة حطين عام 583هـ  تمهيدا لاسترداد بيت المقدس بقيادة صلاح الدين الأيوبي من أيدي الصليبين الحاقدين الذين عاثوا ببيت المقدس فسادا وافسادا كما هو حاله اليوم، فهاهم قطعان يهود يقتحمون الأقصى دون حسيب أو رقيب ويدنسوه بأحذيتهم ويمنعون المصلين من الصلاة والرباط فيه، بينما أنظمة الضرار مشغولة بتكبيل الشعوب وتكبيل الجيوش عن نصرة الأقصى وتحريره من دنس يهود، فالأمة وجيشها في الأردن، قادر على تحرير الأقصى وكل فلسطين من دنس يهود، فاليهود لم يخوضوا منذ أن وُجد كيانهم معركة حقيقية مع المسلمين لينتصروا فيها، بل على العكس هزموا شر هزيمة في معركة الكرامة الباسلة، فالحل الوحيد لتحرير بيت المقدس هو تحرك الجيوش لقتال يهود وازالة كيانهم المسخ، لا الحديث والتباكي من على منابر وسائل الإعلام ومنابر المساجد والاكتفاء بالدعاء للوقوف إلى جانب أهلنا في فلسطين والتحدث عن وصاية تحت سيادة الإحتلال لا تقدم ولاتؤخر بل على العكس هي مبرر لزيادة هجمات المستوطنين والاقتحامات على المسجد الأقصى المبارك، لأن من يدعي الوصاية غير قادر على حماية ماهو وصي عليه.

 

ولقد كانت في رمضان الخير عام 658هـ معركة عين جالوت بين المسلمين والمغول والتي على اثرها عادت بلاد المسلمين للمسلمين ودخل المغول في دين الله وأصبحوا من رعايا دولة الإسلام وأبنائها الذين يجاهدون في سبيل الله لرفع الظلم عن الناس ونشر عدل ورحمة الإسلام.

 

ومن المعارك الخالدة فتح القسطنطينية، فكان نعم الأمير أمير الجيش الذي فتحها ونعم الجند كما قال صلى الله عليه وسلم ((لتفتحُنَّ القسطنطينية، فلنِعْمَ الأميرُ أميرُها، ولنِعْمَ الجيشُ ذلك الجيش))؛ روه الإمام أحمد في مسنده، والذي فتحها السلطان "محمد الفاتح" - رحمه الله - الذي وضع خُطَّة غاية في دهاء التدبير، وروعة في الإعداد العسكري مما أدى إلى دحر أسطولهم وهزيمتهم، وفتح القسطنطينية التي أصبحت فيما بعد عاصمة الخلافة ومنارة الدنيا.

 

إن شهر رمضان شهر العمل والجد ومن أعظم الأعمال وأجلها وأرفعها العمل لإعادة حكم الله في الأرض واستئناف الحياة الإسلامية و إقامة دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة والصبر على الطريقة التي أقام بها نبينا المصطفى دولة الإسلام الأولى دون الحيد عنها قيد أنملة حتى يأذن الله بالنصر والتمكين لأمة الإسلام، حينها يكون الانعتاق الحقيقي عن ربقة دول الكفر والإستعمار ويعود المسلمون أمة واحدة من دون الناس يسيرون خلف إمام واحد يقاتلون من ورائه ويتقون به ويجاهدون في سبيل الله لإعلاء راية الحق ويتحقق وعد ربنا وبشرى نبيه فقد روى تميم بن أوس الداري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك اللهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ، إلا أدخَله الله هذا الدين بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليلٍ، عزًّا يُعِزُّ الله به الإسلامَ، وذلًّا يُذِلُّ الله به الكفر) رواه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي، وصحَّحه الحاكم والألباني.

 

والحمدلله رب العالمين

 

     
17 من رمــضان 1440
الموافق  2019/05/23م
   
     
http://www.hizb-jordan.org/